خاص الفجر الجديد

لماذا لا ترد طهران مباشرة في اسرائيل؟

بقلم رئيس التحرير:زياد علوش

مع امعان تل ابيب بتناول الاهداف الايرانية بأحجامها وانواعها وازمنتها وساحاتها مباشرة،من اغتيالات وقصف وتفجيرات،يتسائل البعض إذا كانت طهران قادرة على توجيه الضربات المباشرة في كل من سوريا والعراق وباكستان فلماذا لا تفعل ذلك مع اسرائيل وتلبي رغبة مجلس الحرب الصهيوني الدائم التحرش؟

رغم وجود رأي نخبوي ايراني على هامش دائرة المرشد الاعلى يرى ان الاشتباك المباشر مع تل ابيب خيار بديل ممكن لرفع الاحراج وتدارك وقوع حرب اوسع،وان امريكا لن تضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على غزة الا اذا ايقنت ان توسع الحرب امر جدي ومرتبط فعلاً بتطور ارتكابات الاحتلال في فلسطين،ما من شأنه إضعاف القبضة الامريكية على خيوط اللعبة الشرق اوسطية بما يتيح التسلل الروسي الصيني الى العلن.

إلا أن الاكثرية الايرانية المؤثرة تجادل بفضيلة الصبر الاستراتيجي على تنفيذ مثل تلك الضربات لان ذلك يعني الاشتباك المباشر مع واشنطن حيث الاخيرة قادرة على حسم النزاع العسكري بالضربة القاضية فيما ايران تريد سرقته بالنقاط عبر الاذرع والحلفاء،وبوضع النير الايراني في رقبة نتنياهو ثور بايدن الهائج لرش البذار وجني المحصول في الوقت المناسب،بقصد تحسين شروط التفاوض حيث سبق للسفير الايراني في سوريا أن تحدث عن عروض امريكية على اساس تفاهم اقليمي يبقي غزة خارج السرب،لأن اولوية واشنطن تمكين تل ابيب من إبادة القطاع وتهجير الضفة.

لا احد يقلل من جبهتي الاسناد في كل من لبنان عبر حزب الله واليمن عبر الحوثيين،عكس جبهتي سوريا والعراق وقد همش دورهما الفعل المذهبي بما يرتب على طهران قراءة نقدية جادة للعمل الاسلامي الوحدوي الذي ترفع شعاره حيث تشكل فلسطين فرصة استثنائية ومدى اختباره الحقيقي،لا سيما في ظل التطبيع والتخاذل العربي والاسلامي العام الرسمي والشعبي والتآمر الدولي،لكن بالتأكيد ذلك التضامن والاسناد ليس كافياً لوقف العدوان الاسرائيلي على غزة ووقف المجازر،والذي يتطلب صحوة عربية واسلامية شاملة غير متوفرة في الافق المنظور فحسابات الانظمة متشابكة تدور في معظمها حول التشبث فوق صهوة السلطة ليس الا وقد انهكت شعوبها بحيث باتت سقوفها مجرد السعي للحفاظ على الحد الادنى من الحياة الاقتصادية الاجتماعية.

على ان جبهتي الاسناد في كل من لبنان واليمن تخضعان لحسابات الاستراتيجيا الايرانية اياها باستثناء بعض التكتيكات التي تخفف من عبئ تناول وحدة الساحات المقاومة باستبدال الطوفان بالاسناد حيث تتوافق الرؤية بين المركز والفروع في مسألة تحسين الشروط بجني المزيد من النقاط التي تبدو هي الاخيرة رمادية.

ليبقى السؤال حيث العديد من الاطراف مأزومة من سيعيد خلط الاوراق بفت جديد يقوم على اساس تدحرج الاشتباكات الى حرب واسعة سواء في جنوب لبنان او البحر الاحمر.

السياسة الاميريكية تاريخياً تدير الازمات ولا تجد لها حلاً بهدف الاستمرار باستحلاب ضرعها الاقتصادي،وعليه سياسة الإطاحة بما هو قائم على شاكلة ما جرى في العراق مستبعدة،وبالتالي فإن اية حرب شاملة ستظل خاضعة للبراغماتية في كل من واشنطن وطهران وقد ادمنتا عقلية الصفقة التي تتطلب اتقان الازدواجية التي تتيح لهما تبني المزيد من المقاربات المتناقضة،ولعلهما بعيداً عن حسابات نتنياهو يعملان كما هو معلن على قاعدة افضل الحروب تلك التي لم تندلع ويتم عصفها في الكونغرس الأمريكي بذهنية الآباء المؤسسين وعصارة خمرة كرمتها في خوابي “لانغلي” المعتقة الشديدة التركيب،المهوسة بالحلم والعطش والرغبة يشرع لها البيت الابيض بقوة نزوة القانون ..فيخرج جائراً ! وينبثق الحق مغتصباً! رغم حاجة استعراض عصاها الغليظة بالدماء والنار احياناً لتأديب طرف ثالث وهم العرب على افكار او مجرد سكرة عابرة قد تراودهم في المستقبل،كما حدث في “هيروشيما وناكازاكي” وحال الجنود اليابانيين الانسحاب من معظم الجبهات الساخنة بعد مقتلة “خليج هاربور” لتأديب موسكو…ولربما المفاوضات الثنائية من خلف الكواليس في اوجها ستفضي لاحقاً لما سيعلن عنه طرف ثالث “قطر-عُمان”من اتفاقات مذهلة بشكل مفاجئ،تتعلق بالنووي والارصدة وقبول حل الدولتين يتقاطع ذلك مع تفاهم اقليمي عام تكون الرياض في صلبه وقد اشترطت تطبيعها مع تل ابيب بمسار واضح لدولة فلسطينية ممكنة،وربما هذا يفسر احتفاظ طهران الدائم بالرد المناسب في الزمان والمكان يوازيه تصريحات واشنطن انها لا تريد حرباً مع ايران وليست معادية للحوثيين وستتراجع خلال مدة الشهر عن تصنيفها اياهم بالارهاب إذا ما استنكفوا عن استهداف السفن في البحر الاحمر،على قاعدة ثلاثية “جحا” الذهبية في موت احد الثلاثة خلال مدة الشهر:جحا والحمار والملك.

حمل تطبيق الفجر الجديد
زر الذهاب إلى الأعلى