رأي خاص

رقصة الموت في جنوح الرّحيل نحو الحرب أو السّلام

بقلم : غادة المرّ

 

مصيرُ العالمِ والشّعوبِ مرهونٌ بقرار ٍواحدٍ خاطئٍ ،يُتّخذُ بلحظةِ تهوّرٍ ،غضبٍ أو فائضِ قوة.

بدا العامُ الجديدُ ضبابياً،فالتوتّرُ كان سيّدَ الموقفِ منذُ بزوغِ فجر ِالعام 2022 .غابَ التّفاؤلُ وبرز َالمشهدُ جليّاً ،يرسم ُصور َالإحباطِ والمراوحةِ،بخطوطٍ عريضةٍ وسوداويةٍ،أرخى بظلالِه على المشهدِ الأمميِّ.

نزاعاتٌ …جبهاتٌ…وتوتّراتٌ على أكثر ِمن جبهةٍ وأكثر ِمن طرف.جنونُ قادةٍ وقياداتٍ سياسيّةٍ فاشلةٍ، فاسدةٍ ، متهوّرةٍ أو ضعيفةٍ، جعلتِ العالمَ يتأرجحُ على حدودِ خطرِ نشوبِ حروبٍ ،وفتحِ

جبهاتٍ جديدة.كأنَّ العالم َباتَ يقبعُ على فوهةِ بركانٍ خلفَ حدودِ الخطر ِوالموت.

العالمُ مثقلٌ بأزماتٍ إقتصاديّةٍ منهكةٍ : بطالةٌ مرعبةٌ،تضخّمٌ ،إنهيارُ قطاعاتٍ يرافقُه ركودٌ إقتصاديٌّ ،سببُه الأزماتُ الجيو-سياسيّة والسياسيّة،في ظلِّ تفشٍ مخيفٍ للمتحوّر الجديد( O micron )الّذي غزا الكرةَ الأرضيةَ ولم يسلمْ من شرِّه أحدٌ.

 

لعلَّ أزمةَ روسيا مع حلفِ شمالِ الأطلسيِّ (الناتو)، ومع الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّةِ بسببِ أوكرانيا ،قد

خطفَتِ الأضواءَ من محادثاتِ فيينّا،وأحالَت أنظارَ أوروبا والغرب نحو هذه الأزمةِ المستجدّة.

فأزمةُ افتقار ِالقيادةِ الأوروبيّةِ،القادرة ُعلى مواجهةِ مجرياتِ الأزمةِ الروسيّةِ-الأوكرانيّةِ،يقابلُها ضعفُ القيادةِ الأميركيّةِ وتردّدِ الرئيس بايدن وإنقسامُ إدارتِه تجاهَ مقاربةِ الأزمةِ الجديدةِ والمبادرةِ بالحزمِ والقوةِ ولجمِ الاندفاع الرّوسيِّ والغطرسةِ الإيرانيّةِ ،ناهيك عن توسّعِ الدّورِ الصّينيِّ وتمدِّده في الشرقِ الأوسطِ وغيره من المناطقِ الآسيويِّة والخليجيِّة، طبعَ المرحلةَ بوشمِ المراوحةِ والتردّدِ فالانتظار.

الدبلوماسيتان الأميركيّةُ والرّوسيّةُ تعملان على تجميدِ النّزاعِ وشراءِ الوقت.لكنَّ الاستعداداتِ العسكريّةَ والتّلويح ِبالعقوباتِ القاسيةِ لا تزالُ على الطّاولة.

 

بعد الإتّفاقيّةِ الإيرانيّةِ -الصينيّة ِالّتي وُقّعَت بين الطّرفين العامَ المنصرمَ، سعَت طهرانُ لعقدِ إتفاقيّةٍ مماثلةٍ مع موسكو، مستغلةً الأزمةَ الأوكرانيّةَ بين الرّوسِ وأوروبا وواشنطن،لتحسينِ موقفِها وبالتالي فرضِ شروطِها على الطّاولةِ في المفاوضاتِ النّوويّةِ في فيينّا. ولعلّ القمةَ الّتي جمعَتِ الرّئيسَ الإيرانيَّ ،رئيسي مع الرئيسِ الرّوسيّ فلاديمير بوتين ،حملَت دلالاتٍ كثيرة .

إتفقَ الطّرفان على التنسيقِ بينهما على السّاحةِ السّوريّة.وتحاشى بوتين التطرّقَ لأزمةِ اليمن والحوثييّن،

مع تسجيلِه عدم َ الرّضى عمّا يحدثُ من هجماتٍ بصواريخَ بالستيّةٍ ومسيّراتٍ في العمقِ الإماراتيّ.

قابله تردّدٌ أميركيٌّ بإتّخاذِ قرارٍ واضحٍ وصريح ٍمن أزمةِ الحوثييّن،كي لا تتأثر َالمفاوضاتُ النوويّةُ بين واشنطن وطهران. وباتَ فرضُ عقوباتٍ على الحوثييّن وتصنيفِهم ضمنَ لوائحِ الإرهاب ِ،الأقربَ والمساعدَ لدفعِهم على الموافقةِ على الطّرح ِالأميركيِّ-الأمميِّ-الخليجيِّ.

فهل يخضعُ الحوثييّون لضغوطاتِ طهرانَ وحزب الله الدّاعيةَ لرفض ِالسّلامِ والمفاوضة ِوالقبولِ بخارطةِ الطّريقِ الأمميّةِ بمباركةٍ خليجيّةٍ،أم يتحرّرون من ضغوط إيران ويلتحقون بالحلِّ السّلميِّ والّذي يعطيهم حقَّ المشاركةِ بالحكمِ في اليمن ِبمباركة ٍخليجيّةٍ ؟؟

هل تدفعُ أزمة ُأوكرانيا ،الرّوس َ لإنشاءِ حِلفٍ مع الصّين وإيران ضدَ الغربِ وواشنطن وأوروبا كي تدفعَ بهولاء لغضِّ الطّرفِ عن غزوها لأوكرانيا ،وتحسينِ شروطِ تواجدِها في سوريا؟

إزاءَ تلويحِ واشنطن بفرضِ عقوباتٍ قاسيّةٍ على موسكو ،القيادة ُالرّوسيّةُ منقسمةٌ وقلقةٌ حيالَ الخطوةِ المرتقبةِ،فالقرار ُ صعب ٌوالقلق ُجدّيٌّ.

حلفاءُ موسكو يراقبون ما سيحصلُ من تطوّرات ٍمتسارعة.

 

فالصّينُ لا تريدُ أي إجراءاتٍ تؤثّر ُعلى الألعاب ِالأولمبيّةِ في الشّهر ِالمقبل .

إيران ُ قلقة ٌوحائرةٌ ،تتأرجحُ بين الثقةِ العارمةِ نتيجةَ تحالفاتِها مع الصّين وروسيّا،مقابلَ خوفِها من إنهيارِ

المحادثاتِ النّووّية.طهران ُتخشى تحوّلَ الأنظارِ عن الملفِّ النوويِّ لصالح ِالأزمةِ الأوكرانيّة. تراقبُ عن كثبٍ ،التطوراتِ والردودَ الدّوليّةَ تجاه الاعتداءاتِ الحوثيّةِ على الإماراتِ وتراقبُ تطوّر َالعلاقاتِ ِالخليجيّةِ مع دول ِالشّرق ِوالغرب. فالترقّبُ والحذرُ سيّدُ الموقف ِفي طهران.

 

لبنانُ ،ليس بعيداً عن هذا الصّراع ِالمحموم ِبين المحورين،في الشرق ِالأوسطِ والعالم.فالأزمة ُالخليجيّةُ

منذ شهور،أرخَت بظلالِها على المشهد ِالسّياسيِّ وعلى السّاحةِ اللبنانيّة.

لبنان ُيمرُّ بأعنف ِأزمةٍ إقتصاديّةٍ وسياسيّة ٍوحكوميّة.ولعلّ هيمنةَ طهران بواسطةِ حزب الله على قراراتِ الدّولةِ والسّلطةِ اللبنانيةِ جعلَ من لبنانَ ممانعاً يدورُ في فلكِ المحور ِالإيرانيِّ،ما جعله بمواجهةٍ صريحةٍ ومباشرةٍ مع دولِ الخليجِ والغرب .

والحكومةُ عاجزةٌ عن إتخاذِ أي موقفٍ وتحيدِ لبنان َعن هذا الصّراعِ والأحلافِ،بسبب ِغياب ِالقرار ِوالتنفيذِ الّذي ليس بيدِها .ولم يكن مستغرباً، المواقفُ العلنيّةُ والصريحةَُ ضدَ دول ِالخليجِ والمملكةِ السّعوديّة. فالورقةُ الكويتيّة ُالّتي قوبلَت بالرفض ِمن قبل ِحزب الله ورفضِه لما جاءَ في بنودِها. وبالتالي رفضهِ تنفيذَ القراراتِ الدّوليّةِ وخاصة 1559،وحصر ِالسّلاحِ والقرارِ بيد ِالدّولةِ وضبط ِالحدودِ وغيرها.

 

كلُّ هذا يحدثُ تحتَ ستارِ صمت ٍروسيٍّ لتوالي الضرباتِ العسكريّةِ لمواقع َوشحنات ِأسلحة ٍوأموالٍ تعودُ لإيران َوحزب الله،فموسكو تتريثُ بفتحِ الجبهاتِ العدائيّةِ بوجهِ أوروبا وواشنطن.

روسيا ،تقف ُحائرةً ،تراقبُ المزاج َالغربيَّ-الأوروبيَّ -الأميركيَّ،قبلَ أن تتّخذَ أيَّ خيارٍ قد يكلّفُها غالياً، فتنوءُ تحت َ نيرِ عقوبات ٍقاسيةٍ ،ستدخلُها في أزمات ٍخطيرةٍ ،تدمّر ُ اقتصادَها ومشاريعَها التّوسعيّةَ في الشرقِ الأوسط ِوأوروبا.،وتحيلُها لإيرانَ جديدة.

 

العالم ُيرقص ُرقصةَ الحربِ والسّلامِ …

العالم ُرهنُ جنون ِقادةٍ وحكّامٍ متهوّرين ، قد تدفعُ ثمنَه دولٌ وشعوب ٌبريئة ٌ،وتجرُّ ويلات ٍونكبات ٍعلى مناطقَ ودول ٍمسالمة ٍلن يسلم َمن نيرانِها أحدٌ.

فلنصلِ كي يهدأَ ضجيجُ المعارك ِوصخب ُالغزوات ِفي عقول ِقادة ٍمتهوّرين ومهوسين بالسّلطةِ والغنائم ِوالنفوذ ِ. ولا شكَّ أنَّ البشريّةَ والشّعوب َستدفع ُأثماناً باهظةً من الأرواح ِوالممتلكات ِوالتعايش ِوالسّلام.

فرأفةً بنا أيّها القادةُ… فكرّوا وصلّوا وأتّخذوا قراراتِكم قبلَ أن تجرّوا العالم َإلى حرب ٍعالميّةٍ ثالثةٍ ،مدّمرةٍ، طاحنةٍ وعبثيّةٍ. خذوا الحروب َوالدّمارَ والموت َوأعطونا الحياةَ والفرح َوالسّلامَ.

حمل تطبيق الفجر الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى