رأي خاص

الحقائب السّوداء والحرب النوويّة

بقلم: غادة المرّ

 

هم مدنيّون مسالمون أبرياء،لا ذنب لهم في حرب الكبار وجشع القادة .يودّعون مدنهم وبيوتهم، يحملون حقائبهم وخيباتهم ،ينزحون نحو مناطق ودول قريبة بحثاً عن الأمان. هم أطفال، يحملون أمتعتهم ،ألعابهم وحيواناتهم الاليفة ،يمشون في رحلة المجهول والقهر والغربة القسرية. مشاهد تفطر لها القلوب.

 

أرتال من الدّبابات تخترق الحدود وتزحف نحو العمق الأوكرانيّ،تحاصر المدن وتدخل الشّوارع.

جنود ،شباب كانوا بالأمس يحلمون بالغد والمستقبل ويضجّون بالحياة . ودّعوا أمّهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم؛ وزجُّوا بحرب لم يختاروها،يواجهون ويقاتلون جنوداً مثلهم ،قيل لهم أنهم العدّو . هؤلاء يستميتون بالدّفاع عن وطنهم ومدنهم وبيوتهم.

مأساة بشريّة مرعبة ،فالأرواح والممتلكات والمعدّات من الطّرفين ،تسقط.

كييف والمدن الأوكرانيّة تصمد وتقاوم .شاشات التلفزة تبثّ مشاهد الحرب والدّمار والحرائق والقتلى والأسرى. ألوف من النازحين المدنيّين تتصدّر صورهم نشرات الأخبار . المراسلون ينقلون وقائع الحرب ومآسيها للعالم الّذي وقف مشدوهاً ،يحبس أنفاسه ويراقب ،وأنقسم بين مؤيد لموسكو ومؤيد لكييف.

 

فعلها بوتين و بدأ حربه العسكريّة على أوكرانيا ،ضارباً بكلّ تحذيرات حلف شمال الأطلسي واميركا عرض الحائط، مهدّداً في حال الدّعم المباشر الغربيّ لاوكرانيا بإستعمال السلاح النوويّ وبحظر إمداد أوروبا بالغاز والمعادن .

وقف حلف الناتو وواشنطن مترددين بالتورط بالنزاع المباشر في أوكرانيا خوفاً من إغضاب بوتين .

حقائب سوداء يحملها روؤساء الدول الكبرى النوويّة ، ملفوفة بجلد أسود تحتوي مفاتيح ورموز سريّة لشنّ ضربات نوويّة.الرّموز مطبوعة على بطاقات بلاستيكيّة تسمّى البسكويت. يتمّ تفعيلها بأمر من الرّئيس بعد تبليغ وزارة الدّفاع. تلك الحقائب ،تدمّر البشريّة.

 

الحرب بدأت ، بوتين يرفض التّراجع ويواصل حملته العسكريّة ،الرئيس الأوكرانيّ يرفض الاستسلام والخضوع ويقاوم. مفاوضات لم تأتِ بنتائج إيجابيّة.

زيلينسكي يرفض ترك البلاد ويقول أنّه ليس بحاجة لرحلة إنّما لأسلحة ، ويطالب الناتو بفرض منطقة حظر للطيران ،وهذا ما يرفضه الناتو خوفاً من توسع دائرة الحرب هناك.

عقوبات غربيّة قاسية ،فرضت على موسكو لكبح جماح حربها على أوكرانيا، جعلت من موسكو ترد بإجراءات مماثلة .

العالم اليوم يقف أمام خيار الانتحار الجماعيّ ودخول حرب عالميّة ثالثة نوويّة، إذا ما بقي بوتين محشوراً في الزاوية ، فهو رجل لا يعرف التراجع، رغم أنّه يُبقي حبال التفاوض ممدودة نحوالغرب.

لذلك سيدعون بوتين يغرق في مستنقع الحرب الأوكرانيَة،وهم على يقين أنّه قد يربح بعض المعارك العسكريّة ،ولن يستطيع السيطرة على أوكرانيا.

 

بوتين يرفض وقف حربه والتّراجع إلّا وفقاً للشروط التاليّة:

-أن تكون أوكرانيا منزوعة السّلاح النووي وحياديَة ،

-أن تتراجع كييف عن المطالبة بالانضمام إلى حلف الناتو.

-إذا تمّ الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك ودونباس.

-إذا تمّ الاعتراف بشبه جزيرة القرم،على إنّها أراض روسيّة.

-إذا توقفت القوات الأوكرانيّة عن القتال.

 

زيلينسكي بالمقابل يرفض الاستسلام ويطالب الناتو والغرب بالدعم بالسلاح وبالعقوبات على موسكو.

ويشترط وقف القتال وإنسحاب الجيش الروسي خارج الأراضي الأوكرانيَة، لبدء المفاوضات. وقد أبدى استعداد بلاده الالتزام بالحياد وعدم الانضمام لحلف الناتو. وهذا ما ترفضه موسكو.

 

العالم ما بعد الحرب الاوكرانيّة -الروسيّة ،ليس كما قبلها. تحالفات جديدة وبسبب توتر العلاقات السعوديّة والإماراتيّة، لم تستجب الإمارات والمملكة السعوديّة لطلب بايدن بزيادة إنتاج النفط كي تغطي أسواق أوروبا من الغاز ،لسدّ حاجاتها بعد تهديد بوتين بوقف إمداد الغرب وأوروبا بالغاز الروسيّ، فهل وقفت الإمارات والرياض مع روسيا ضد الولايات المتحدة الأميركيّة؟

وقد نتج عن الحرب أيضاً تقارباً بين واشنطن وفنزويلا وحتى إيران في المفاوضات النوويّة في فيننا ،من أجل سدّ حاجة اوروبا والغرب من الغاز الفنزويلّي والإيرانيّ، كمصدر بديل للغاز الروسيّ.

وقد رشحت أخبار عن فشل المفاوضات في فيينا مؤخراً .

كما وقفت الصين موقف الحياد وأبدت عدم دعمها للغزو الروسيّ لاوكرانيا ،خشية إنزلاق العالم لحرب نوويّة ودعت للجم التصعيد هناك.

على الرئيس الأميركي أن يقول لبوتين أنّ هذه الحرب يجب أن تنتهي وأن يقدّم إستراتجيّة استباقية توقف تقدّم الروس إلى كييف. وهذا ما سيجنّب واشنطن وأوروبا بل العالم بأسره الانزلاق نحو الكارثة الحتميّة.

 

هل أخطأ بوتين والقادة الروس بحساباتهم ؟

كم من مليارات من الدولارات في ميزانيات الدول تنفق على الأسلحة والصواريخ والتسلّح لبناء ترسانات ضخمة من الأسلحة الحربيّة على اختلافها ،

ماذا لو أنفق هؤلاء الحكّام والقادة تلك الأموال والمليارات لبناء عالم أفضل لتخفيف معاناة الشّعوب ومآسيها؟

 

 

لماذا الشّر دائماً ينتصر؟

بالنهاية تنتهي الحرب، وتسكت المدافع والصّواريخ، يجتمع القادة ،يتفاوضون ويتقاسمون المغانم والثروات والنفط والغاز والمياه والنفوذ ، ويجد الأبرياء أنفسهم قد خسروا البيت والمال وجنى العمر ، وتبقى الأمّهات تنتظرن عودة فلذات أكبادهنّ ، بالأمس القريب ذهبوا للحرب ولم يعودوا .

حمل تطبيق الفجر الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى